حينما تدرك – يقينًا – أهمية أن تبدأ على الفور بتطبيق التسويق بالمحتوى والـ SEO في شركتك، فإن العديد من الأسئلة ستطرأ على ذهنك: من أين أبدأ؟ ما الموظف المثالي الذي يجب أن أبدأ به؟ كيف سيكون شكل قسم المحتوى؟
ولكن بداية يجب أن نعرف أن لكل مؤسس ومدير تنفيذي ومدير تسويق أسلوبه الخاص المختلف عن ماهية التسويق بالمحتوى، فضلا عن أهميته. وقد يصيب استخدام هذا الأسلوب فتحقق الشركة ما تصبو إليه، وقد يخطئ فتثار نقاشات تتصف بالتوبيخ والامتعاض. برأيي الشخصي السؤال الهام هو: ما اللبنة التي يجب البدء بها؟ أو ما حجر الأساس حقًّا؟
وأنا أومن إيمانًا شديدًا بأن أهم موظف يجب أن تستهل به قسم التسويق بالمحتوى في الشركة هو مدير المحتوى، إذ يمتلك في جَعبته معرفة حقيقية بأسس كتابة المحتوى الناجح، وفهمًا وافيًا بالـ SEO، كي يمكنه التعامل لاحقًا مع المستقلين أو وكالة متخصصة في حالة ما أرادت الشركة أن تطور إستراتيجية المحتوى خاصتها.
أعود فأقول إن الجواب الطبيعي لهذه الأسئلة يعتمد على طبيعة نموذج عملك. سأقدم لك في هذه المقالة جملة من المقترحات حول المهارات التي يجب أن يمتلكها الفريق الداخلي، وتلك التي يجب أن تتوافر في الجهات الخارجية التي ستحتاج إلى التعامل معها لا محالة.
عَدِّل معتقدك حيال المحتوى: ركز على الأمور التي ستسعفك في تنمية شركتك
من المفارقات العجيبة التي لا تخلو منها إستراتيجيات التسويق بالمحتوى في الشركات العربية هي عزل المحتوى عن إستراتيجية البزنس الأم للشركة، لكن عندما يكون المحتوى في منأى عن الأهداف الإستراتيجية للشركة، فكيف تتوقع له النجاح؟
لنتفق أولًا على شيء واضح: تُعد إستراتيجية التسويق بالمحتوى جزءًا صغيرًا من نظيرتها التسويقية الأم للشركة، والتي بدورها تغدو جزءًا من إستراتيجية البزنس الرئيسة للشركة ككل. كلما فهمت نشاطك التجاري أكثر، غدت إستراتيجية التسويق بالمحتوى جلية أمامك. تذكر: تُولد إستراتيجية التسويق بالمحتوى من رحم فهمك التام والشامل لنموذج عمل شركتك بالكامل، ولفهمه خَصِّص وقتًا لإجابة الأسئلة الآتية:
- كيف تستقطب العملاء /تحقق المبيعات بشكل ثابت؟
- كم زبونًا ستحتاج إلى جلبه لتحقق أهدافك التوسعية الرئيسة؟
- كم عدد التسجيلات التجريبية trial demos (إذ افترضنا أنك شركة SaaS) التي ستحتاج إليها لتحقق عائدًا مُرضيًا؟
- ما مدة تحول عميل محتمل إلى عميل فعلي؟
- ما متوسط القيمة الشرائية للزبون الواحد؟
فما إن تقدم الإجابة عن الأسئلة السابقة -لأنك وحدك وفريقك من يستطيع تقديم الإجابات الشافية عنها- حتى تبدأ المهارات الأساسية التي يجب أن يتصف بها فريق المحتوى تكشف لك عن نفسها تلقائيًّا. يتبقى الآن أن تجيب بصدق عن السؤال التالي: هل لديك الميزانية الكافية لتوظيف مدير محتوى محترف، ومتخصص SEO مخضرم؟ إذا كانت ميزانيتك لا تسعف، فيجب إذن أن نُجري تقييمًا دقيقًا لأهم المهارات وأكثرها إلحاحًا في الوقت الحالي.
قد يهمك: على من تعتمد في كتابة المحتوى في شركتك، على كالة متخصصة أم مستقلين أم فريق عمل توظفه في الشركة؟
تقييم الكفاءات الأساسية المهمة أولاً
بداية من كتابة المقالات والتدوينات والتدقيق اللغوي إلى بناء الروابط الخلفية، يُلزَم فريق المحتوى بتطوير جملة من الكفاءات الأساسية التي قد لا يمتلكها في الوقت الحالي. المنطقي هو توظيف شخص واحد أو اثنين ذوي كفاءة عالية، ثم إسناد الباقي إلى مستقلين أو وكالة متخصصة عند توافر الميزانية المناسبة. على سبيل المثال، قد تستهل قسم المحتوى الداخلي بمدير المحتوى ليكون دوره الأساسي هو: إعداد وبناء إستراتيجية التسويق بالمحتوى، وكتابة المقالات التي تخلو من الأخطاء اللغوية الحادة، ونشرها على مدونة الشركة، ثم تقوم لاحقًا بالتعامل مع مستقل/وكالة لتبني الروابط الخلفية وتصلح المشاكل التقنية في الموقع من أجل تصدر نتائج البحث على الكلمات المفتاحية المستهدفة.
قد تتساءل: لماذا لا يمتلك مدير المحتوى خبرة واسعة بالـ SEO لكونه يفهم التسويق بالمحتوى؟
سؤال منطقي للغاية، وسأقدم لك إجاباته عبر الأمثلة التالية…
دور متخصص الـ SEO الحقيقي
لا بد لأي مدير محتوى من معرفة بعض الأمور السطحية للغاية عن علم الـ SEO، نحو: تهيئة المقالة لمحركات البحث، والبحث عن كلمات مفتاحية، والتعامل مع أدوات الـ SEO، سواء الخاصة منها بالتحليل كـ Google Search Console، وGoogle Analytics أو المعنية منها بخواصه الأخرى، مثل: Ahrefs وSEMrush. متخصص الـ SEO المخضرم يعرف كيف يسند الموقع الإلكتروني الخاص بشركتك بإجراء تحاليل معقدة عن بنيته التقنية – التي تستدعي منه معرفة محترمة بالبرمجة – وعمل تحليلات للمحتوى المنشور وربطه ببعضه بعضًا لتعظيم نتائجه، كما أن له القدرة العالية على تحديد مسار الإستراتيجية كلما جد تحديثٌ من Google أو بدر فعلٌ دنيء من منافس وقح (كأن يبني لموقعك روابط خلفية سيئة سعيًا إلى تعريضه إلى عقاب وخيم من محكمة Google).
أما مدير المحتوى فلا يجيد ما سبق، وليس دوره أصلا أن يجيده إن شئنا الحق، أو إن شئت فقل: دوره الجوهري والأساسي يكمن في معرفة كيف يكتب محتوى يصعب تقليده، ليجعل من شركتك قائد فكر حقيقيًّا. وهذا ليس بالشيء الهين صدقًا.
قد يهمك: منهجيتنا في تحليل السوق المستهدف للخروج بنتائج متوقعة من الاستثمار في SEO والتسويق بالمحتوى.
كتابة المحتوى والتدقيق اللغوي
ساعات عمل مدير المحتوى الذي ستستهل به قسم التسويق بالمحتوى الداخلي محدودة، ولن يمكنه إنتاج الكثير من المحتوى الدسم، لأن ذلك يتطلب بحثًا وتمحيصًا وتنقيحًا، ثم يُختَم كتابةً. إذًا فسيحتاج هذا المحتوى إلى معونة تتمثل في التعاقد مع كُتاب مستقلين بأجور محددة أو وكالة كتابة محتوى.
كأني أراك تهز رأسك ممتعضًا ولسان حالك يقول: وما فائدة مدير المحتوى إذن إذا لم يغننا عن التعامل مع كُتاب مستقلين؟
تمهل.. قبل أن تطلق حكما جزافًا اعلم أن من ضرورات التسويق بالمحتوى المرتكز على محركات البحث، تفعيل عنصر النشر الكثيف publishing frequency. وقد خصصت Hubspot بحثًا كاملًا عن هذا الموضوع فخرجت بالنتائج التالية:
- إذا أردت بلوغ أعلى قمم نتائج البحث على معظم الكلمات المفتاحية المستهدفة، فيجب أن تنشر بحد أدنى 3 مقالات أسبوعيًّا.
- إذا كان هدفك بناء وعي أكبر حول علامتك التجارية، فيجب أن تنشر عددًا مثل الرقْم السابق أيضا.
ونحن هنا لا نتكلم عن أي محتوى، بل عن محتوى دسم، سَل فريق ثمانية عن صعوبة إنتاج محتوى دسم وسيمدونك بالإجابة. كما أن المقصد من إسناد بعض المحتوى إلى مستقل أو وكالة -وهو الأهم- هو لتقليل التكلفة الإجمالية؛ فبدلًا من صرف ألوف الريالات على موظفين بدوام كامل، سيخبرك مدير المحتوى بالاحتياج الحقيقي من المحتوى، وستجد ضالتك لا محالة في المستقل أو الوكالة.
أما التدقيق اللغوي، فهو وآسفاه، مهارة محتقرة عند البعض؛ تتوهم الشركات أن كل كاتب هو بالضرورة مدقق لغوي، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن ثمة فرق جوهري بين الكاتب والمدقق اللغوي، فالكاتب يجب أن يمتلك أسلوبًا رصينًا وقدرة هائلة على تبسيط المعلومات وتقديمها في وجبة يسهل على جمهورك المستهدف هضمها، وطبيعي أن يمتلك أدوات لغوية تعينه على إنتاج محتوى يخلو من الزلات. أما دور المدقق اللغوي فيتمثل في تطوير المقالة وتجويدها حتى توافق قواعد العربية فتكون بلغة سليمة خالية من النشاز الأسلوبي أو الخلل النحوي أو الإملائي؛ ومن ثَم يتأكد توافقها مع الـ Tone & Voice خاصتك. ثم -وهو الأهم- أن المدقق يعين الكاتب لأنه يقدم له نظرة مختلفة عن نظرته، تتصف بالموضوعية والخبرة اللغوية للخروج بمقالة عظيمة. وإليك ما يقوله محمد الآغا، مدير جودة المحتوى في هذا الخصوص: “تكمن أهمية التدقيق اللغوي والنحوي في التسويق بالمحتوى، في كونه الضامن الحقيقيّ للشكل النهائيّ للمقالة. فالمُدقّق:
- يُراجع المقالة.
- يتأكّد من دقة المعلومات وسلامة الأسلوب والمعنى.
- يُعالج الهنّات الإملائية والنحوية والصياغية التي قد يقع فيها الكاتب.
- يقرأها بعينٍ فاحصة، تُصوّب أي جملة أو عبارة قد تُوقع القارئ في فهم مُلتبس أو خارج سياق المعنى المُراد.
أي أن مُدقّق محتوى التسويق بالمحتوى، هو صمّام الأمان الأساسيّ، الذي يضمن وضوح قطع المحتوى من النواحي الصياغيّة والأسلوبيّة، ومن حيث الطرح والتناول، وأيضًا، من حيث التماسك والتناغم بين الفكرة واللغة.”
معادلة الروابط الخلفية
من العوامل الأساسية في إستراتيجية التسويق بالمحتوى المرتكزة على محركات البحث هو عامل الروابط الخلفية، لكن ليس أي نوع من الروابط الخلفية، بل تلك التي يحصل عليها موقعك الإلكتروني من مواقع متخصصة وذات صلة وطيدة بمجال صناعتك لكي تمنح موقعك الإلكتروني القوة اللازمة لتدفعه دفعا نحو تصدر نتائج البحث. طبعًا، المفروض أن يمتلك متخصص الـ SEO هذه المهارة، ولكن الأفضل برأيي الشخصي هو أن يكون ثمة موظف أو وكالة متخصصة في بناء الروابط الخلفية حصرًا استنادًا إلى إستراتيجية الرسائل الباردة Cold Outreach. لا يوجد قاموس تسويقي متفق عليه في العالم العربي يدمج بين كل المصطلحات التسويقية الأجنبية والعربية. ولكننا في نكتب لك نسعى دائما إلى أن نخلص بمصطلحات قريبة من المصطلح الإنجليزي.
هناك مصطلحان تسويقيان شائعان هما:
- بارد Cold
- دافئ Hot
يشير مصطلح “بارد” إلى شخص لا تربطك به أي علاقة مسبقة، وبالتالي فهو تقريبا أول مرة يسمع عنك. بينما يشير مصطلح “دافئ” إلى عكس ذلك؛ فهو يشير إلى عميل محتمل أو شخص معين في صناعتك سبق له أن سمع بك أو طالع موقعك الإلكتروني، ومن ثَم فإنه على الأرجح يمتلك فهمًا أو معرفة بطبيعة نشاطك التجاري. ومن هنا كانت التسمية: الرسائل الباردة، لكوننا نخاطب أفردًا داخل شركات ومؤسسات تسمع عنا للمرة الأولى.
فيقوم متخصص الروابط الخلفية بالعمل حصرًا فقط على جلب روابط ذات جودة مرتفعة لكي تصل بجميع كلماتك المفتاحية إلى أعلى قمم نتائج البحث.
تلكم الأمور الثلاثة السابقة: متخصص الـ SEO، وكتابة المحتوى والتدقيق اللغوي، وبناء الروابط الخلفية، ليست مجرد مهارات فقط بل هي في حد ذاتها وظائف ضخمة؛ إذ يمكن أن يتكون فريق الـ SEO – مثلا- من شخصين أو أكثر، والأمر نفسه ينطبق على كتابة المحتوى والتدقيق اللغوي، وبناء الروابط الخلفية. القصد هو أن توقُّع إيجاد كل ما سبق من مدير المحتوى هو ظلم حقيقي. لكن أعود فأقول مرة أخرى: أفضل من تبدأ به قسم المحتوى هو مدير المحتوى، والباقي رتِّبه وفق ميزانيتك لإسناده إلى متخصصين.
تلخيصا لما سبق: تحرك في ضوء رؤية واضحة
يعاني أغلب مديري المحتوى الموظفين من عبء الأعمال الشاقة التي تقع على كاهلهم، دع عنك أرق الهدف التسويقي المرصود لقسم التسويق بالمحتوى في شركتك. وحتى تُكَلل جهودك بالنجاح، اجلس مع فريقك أو قم بعمل عصف ذهني بخصوص الأسئلة التي قدمناها سابقًا، ثم حدد أهم الكفاءات والمهارات التي تحتاج إليها مبدئيًّا لتعرف من الشخص المناسب لتوظفه، ثم ابدأ بعد ذلك التوسع شيئا فشيئا.
فعلى سبيل المثال، إذا كان هدفك الأسمى مضاعفة عدد زيارات الـ organic، فإن المنهجية الحاذقة تتمثل في توظيف مدير محتوى داخلي والتعامل مع وكالة متخصصة. أما إذا كان المحتوى لا يمثل اللبنة الأساسية وكان هدفك تعزيز الإيرادات، فربما كان التعامل مع وكالة متخصصة في التسويق بالمحتوى والـ SEO هو الحل الأنجع.
مرة أخيرة، أنت لست في حاجة إطلاقا إلى بناء كل شيء داخلي في الشركة؛ تجهيز الفريق الأساسي يكفي، ولن تستطيع في حال من الأحوال الاستغناء عن الخبرات الخارجية المتمثلة في الوكالات أو المستقلين والمستشارين.
0 تعاليق: